نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطأ التفكير بمنظور جمعي - أحداث اليوم, اليوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 12:16 صباحاً
التوصل إلى الحقيقة الحقيقية يفترض أنه رغبة كل إنسان في الحياة، لكن من يعش في داخل صندوق العقل الجمعي يرى أن الحقيقة هي في مضمون هذا الصندوق بينما وصفة القرآن للتوصل إلى الحقيقة هي التوصية بالتفكير الفردي خارج صندوق العقل الجمعي (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة)، والعقل الجمعي مكون من التراث الموروث وتقاليده وأعرافه والثقافة العامة السائدة، ولذا المتماهي معه لا يدرك كل الحقائق التي تكمن خارجه، ولا يوجد عقل جمعي في العالم يمتلك كل الحقائق، فالحقائق كالجواهر منثورة في كل العالم وعلى الإنسان أن يسعى إلى جمعها حيث وجدت ولو وجدت لدى الخصوم.
الإشكالية تكمن في الإقرار بأن لدى الآخرين حقائق لا توجد في قالب العقل الجمعي، وعلى سبيل المثال العقل الجمعي العربي والإسلامي يفتقر إلى الحقائق الكامنة في الدراسات والأبحاث العلمية لدى الغرب، ونمط التفكير الجمعي متمحور حول كبرياء غرور الأنا/الايجو الجمعي، ولذا الغرب لا يأخذ أي انتقاد لحال فردي فيه على أنه انتقاد للأمة كلها، بينما لدى العرب الانتقاد لحال فردي يؤخذ على أنه انتقاد لكامل الشعب والبلد، وهذا مثال عملي على نمط التفكير الجمعي فهو مفرط الحساسية تجاه كل ما يمس الكبرياء الجماعي الذي يتمحور حوله.
فالحمية والعصبية هي الوجه الأكثر سلبية للتفكير الجمعي لأنه يؤدي إلى سلوكيات سلبية تجاه كل من لا ينتمي إلى العقل الجمعي، ولذا هو يهاجم المفكرين والفلاسفة والعلماء من أبناء البلد ويعتبرهم أعداء، لأن لديهم حقائق ليست من مضمون العقل الجمعي، وهذا الاضطهاد هو سبب ندرة أو غياب المفكرين والفلاسفة والعلماء عن الخطاب العام وعدم وجود مشاهير منهم مثل الغرب، في مقابل شهرة كل من يمثل العقل الجمعي ومتعصب له.
وصدق العالم الفيزيائي اينشتاين عندما قال إن طريقة تغير القناعة السائدة وتقبل المستجدات هو موت كل من يؤمن بها والجيل الجديد سيرث ما كان مستجدا في عصر الآباء والأجداد كتراث ضمن العقل الجمعي، وهذا سيجعلهم متقبلين له، لكن هذه الطريقة في تغيير القناعات تجعل الأمة متخلفة دائما عن ركب التطور بعقود طالما أن اعتناق الحقائق فيها يتطلب موت الأجيال المعاصرة وولادة أجيال مستقبلية، بينما في الغرب حيث يسود العقل الفردي تتغير القناعات بمجرد ظهور الحقائق المستجدة ولذا الغرب ما زال يسبق كل العالم في وتيرة التطور، فالعقل الجمعي أشبه بتثبيت كرة حديدية بقدم الإنسان، فهل يمكن أن يجاري أو يسبق من في قدمه كرة حديدية من قدمه حرة لا تحمل أي أثقال؟
في الغرب وصل النقد للعقل الجمعي إلى درجة نقد الطريقة التقليدية لتحكيم نشر المقالات العلمية في المجلات العلمية عبر مراجعة النظراء لها لأنهم قد تأخذهم حمية العقل الجمعي للقناعات العلمية السائدة، ويرفضون نشر مقالات تتضمن حقائق مستجدة تخالف القناعات السائدة، لأن هناك وعيا في الغرب بالجانب السلبي للعقل الجمعي.
ويمكن ملاحظة تطور المنظور الفردي في العالم عبر ملاحظة الأعمال التمثيلية التي تعيد إنتاج القصة ذاتها؛ فما قبل التسعينات من القرن الماضي كان السائد هو تناول الأحداث من منظور العقل الجمعي، بينما مع تطور منظور العقل الفردي بعد التسعينات نرى الشخصية ذاتها لم تعد ناطقة بمنظور العقل الجمعي إنما تم تطوير منظورها ليصبح ناطقا بالوعي الفردي لمن كتب الشخصية، بينما لدى العرب لم يطرأ تغير يذكر في منظور الأعمال الفنية وتبعيتها للعقل الجمعي، حتى المقالات والكتب والبرامج ما زالت غالبا تتحدث بلسان العقل الجمعي، ولذا ليس فيها جديد يثير الاهتمام.
0 تعليق